الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر
الهجرة النبوية
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونسترشده ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
الهجرة النبوية أيها الإخوة لم تكن هروبًا من قتال ولا جبنًا عن مواجهة ولا تخاذلاً عن إحقاق حق أو إبطال باطل ولكن هجرة بأمر الله تعالى أعد فيها النبي القائد صلوات ربي وسلامه عليها العدة وهيأ الجند وعاد بهم إلى مكة فاتحًا، أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوذي أصحابه الكرام في مكة وصبر ءال ياسر في سبيل الله، ورسول الله هاجر بالدعوة إلى الله فلم يكن يخفي شيئًا منها بل كان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول لهم:" أيهـا النـاس قولـوا لا إلـه إلا الله تفلحوا " وصبر صلى الله عليه وسلم على إيذاء المشركين من أهل مكة، وانصب العذاب على المستضعفين صبًا جلد وضرب وحبس وتحريق وقتل، ولكن أدركهم المدد الرباني والتثبيت الإلـهي فكأنهم صخرة لا تخدش وصارت نبضات قلوبهم الخاشعة وهمسات أدعيتهم الضارعة تهز الأفئدة والعروش، ردد بلال الحبشي أحد أحد، أحد أحد’ لم يتراجع ولم ينفتن.
و شاء الله ان تكون الهجرة النبوية هي الحدث الثاني المهم بعد البعثة النبوية الكريمة ونزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ينظر بعمق في خطوات الهجرة النبوية وترتيباتها يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية ولا بتحرك عشوائي او مجرد رغبة في الخروج او الهروب من مكة المكرمة، ولكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حماية الدعوة بعد ان اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة، وازداد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلى اتباعه رضوان الله عليهم، حتى امعنت فيهم تعذيبا وظلما بدون وجه حق، فكان لا بد من الانتقال الى مكان أمن آخر يسمح للدعوة بأن تتنفس الصعداء، فجاء امر الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الاذن بالهجرة، ولكن المتتبع لمراحل الهجرة النبوية يلاحظ ان النبي، صلى الله عليه وسلم، احاطها بسرية كاملة، حرص فيها على ألا يعلم احد بموعد الهجرة ولا طريقها، ولا وجهتها، واخفى كل ذلك حتى عن اقرب المقربين له سيدنا ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، الرجل الذي وقف معه وآمن به وآزره، وأحبه حبا عظيما. وكان هذا الصحابي الجليل اول من آمن من الرجال برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبدعوته، ومع ذلك اخفى النبي، صلى الله عليه وسلم، خطة الهجرة وخطواتها عنه وعن الجميع، وهو بهذا يعلم الأمة كيف يتصرف القائد عندما يتصدى لحدث مهم، او ينتقل الى مرحلة أخرى، وكأننا به يعلمنا ويعلم الأمة: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، فأحاط ترتيبات الهجرة بسرية تامة، وعندما بدأ يتحدث الى ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، في المرحلة الأخيرة، انما كان يوجهه حتى يعد لوازم الرحلة وأدواتها من رفيق خبير بالطريق، وراحلة تنقل النبي، وأخرى تنقله ثم اخبره في آخر الأمر بموعد الرحلة وطريقها، وأنها كانت الى المدينة المنورة بإذن الله وأمره.
وهكذا خطط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتمها على افضل وجه، وهو الذي يعلمنا: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه». هكذا تحرك سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بطريقة سرية واستراتيجية ومسؤولية، وعندما جاء الاذن وجاء الأمر اخبر الصديق في الوقت الملائم.
ولا شك ان المتتبع لمراحل الهجرة يدرك ان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يغادر مكة المكرمة التي احبها وولد ونشأ وترعرع بين جنباتها الا بعد ان دعا الله عز وجل: «اللهم، وقد اخرجتني من أحب البقاع الى، فاسكني في احب البقاع اليك»، فكانت الهجرة الى يثرب المكان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهذه الهجرة، واصبح اسمها بعد ذلك المدينة المنورة والتي اشرق فيها نور الاسلام بوصول خير الأنام اليها، هذا المكان الطيب الطاهر الكريم والمهاجر الأمين الذي اختاره الله عز وجل لرسوله، صلى الله عليه وسلم.
وتبقى الحقيقة الأساسية، وهي أن الهجرة مراد الله وأمره وتدبيره عز وجل. هذه هي الصورة المشرقة لصمود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذين معه رضوان الله عليهم. وهناك قضية مهمة وهي ان الهجرة الى المدينة لم تكن مجرد تحرك عشوائي او تصرف عابر او خروج او هروب من مكة، لكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يحمي الدعوة بعد أن اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة وازداد الإرهاب والظلم والقسوة على أتباعه رضوان الله عليهم.
ولا شك أن العامل الآخر هو أن المدينة المنورة قد بدأت تستقبل الإسلام، ودخل فيه واعتنقه عدد من اهلها. وكان هذا الأمر مهما شجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على التوجه إلى المدينة المنورة. أضف إلى ذلك أنه في ذلك الوقت كان لها دور أساسي، باعتبارها مركزا مهما من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية، وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالإضافة الى كونها ملتقى القوافل التي كانت تمر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دوراً أساسيا في انتشارالدعوة الإسلامية.
وقد فرح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عندما جاء الاذن بالهجرة الى المدينة لأن فيها أخوال جده من بني النجار، فكان يأنس من دون شك للذهاب الى المدينة ولقائهم ليعوضوه عن قسوة الأهل في مكة وظلم ذوي القربى من قريش وعنادهم وغطرستهم، فوجد في اخواله في المدينة صدرا رحبا وأنصارا كراما».
وهناك قضية اساسية يجب ان نلفت النظر اليها ونتدبرها، وهي ان عمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان عن قوة إيمان وثقة في الله عز وجل، قبل ان تكون المسألة مسألة عدد وعده، فقد كان اتباعه قلة وضعافا ولكنهم أقوياء بإيمانهم بالله، وصبروا على كل الأذى الذي احاط بهم وفي نهاية الأمر كان الحق احق ان يتبع، لأن تلك سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فكان وقوف هذه القلة المؤمنة وصبرها واحتسابها وصمودها درسا قويا لكل الاجيال القادمة، كان الواحد منهم كالطود الشامخ لأنه مؤمن بنصر الله عز وجل، ومؤمن بالمبادئ التي يدافع عنها، وقد خسر المشركون وباءت جهودهم بالفشل، ولم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله عز وجل، فقد ابى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون، وهذه المواقف الايمانية تذكرنا بموقف أمنا هاجر وأمنا خديجة.
ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها، يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق يتشوق للهجرة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى التريث حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي أدرك فيها أبو بكر الصديق، أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عز وجل.
وجاء اليوم المشهود، وجاء، صلى الله عليه وسلم، إلى دار أبي بكر في وقت لم يكن من المألوف أن يزورهم فيه، فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو في العشي، ولكنه لم يكن يزورهم أبدا في الهاجرة، واشتداد الحر في مكة، كما حدث في ذلك اليوم، فقال الصديق، رضي الله عنه: ما جاء برسول الله، (صلى الله عليه وسلم) إلا أمر عظيم، وربما توقع كنه هذا الأمر وانه الساعة التي كان ينتظرها. لقد اخبره عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى قد اذن له في الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج معه رفيقا مؤنسا معينا في هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، ومنذ الساعة تزايد إحساسه بالمسؤولية عن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن نجاح هذه الرحلة الميمونة، استأجر دليلا خبيرا ماهراً مؤتمنا، من بني عبد بن عدي، تسلم الراحلتين يعتني بهما ويعلفهما حتى تأتي الساعة الموعودة، ثم رتب مع عامر بن فهيرة مولاه أن يرقبهما حتى إذا استقرا في الغار ويروح عليهما باللبن من غنيمات أبي بكر كل يوم ليشربا لبنها ولتختفي آثار أقدامهما تحت أرجل الغنم، وكلف ابنه عبد الله أن يأتيهما كل ليلة ـ حين تهدأ الرجل ـ محاذرا ـ ليخبرهما بما سمع من حديث المشركين وخططهم وتدبيرهم، وكلف اسماء بنت أبي بكر أن تعد سفرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما سيحملانه في هذه الرحلة من زاد وماء.
هذه اذا ملامح من الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر والرغبة فيما عند الله عز وجل ولكنها في الوقت نفسه توضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن قضية مفاجأة ولا أمرا عفويا، بل كان فيها الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي سبقه التمهيد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى أو الثانية أو الثالثة يوم كان ينتهز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مواسم الحج فيلتقي بأهل يثرب ويدعوهم ويهيئهم، ثم ما فعله مع الخزرج في العام التالي واخذ، صلى الله عليه وسلم، يتدرج في البيعة، ثم عندما أرسل مصعب بن عمير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبره بالرجال والنساء الذين دخلوا في الإسلام فحرص الرسول، صلى الله عليه وسلم، على لقائهم في موسم الحج التالي وتمت البيعة والرسول، صلى الله عليه وسلم، يحادثهم ويقول لهم: «ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فردوا عليه: نعم، والذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الدروع ورثناها كابر عن كابر».
هكذا مهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذه الهجرة ثم خطط لها لخداع المشركين يوم طلب من سيدنا علي بن أبي طالب البطل المغوار أن ينام في فراشه، فهذه التنظيمات من كتمان تام لخبر الهجرة، واختيار ملائم للتوقيت والخروج في وقت الهزيع الأخير من الليل وسلوكه طريقا غير الطريق الذي تألفه قريش، كل هذه الأمور تعلم الأمة أهمية التخطيط في حياتها وأهمية التنظيم وأهمية الشورى وأهمية التعاون، ثم العزم والتوكل على الله والصمود في سبيل مرضاة الله عز وجل مهما كانت الصعاب ومهما كانت الكوارث ومهما كانت التحديات.
إنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الدروس والسنة الشريفة ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية مهمة: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، لأنه القدوة ولأنه الأسوة ولأن هؤلاء الرجال أخذوا عنه.
وانه لأمر مهم ان نستغل المناسبات الاسلامية المهمة لتذكير النشء والاسرة والمجتمع بأهمية مثل هذه الايام التي هي ايام الله عز وجل. والهجرة النبوية واقعة حقيقية وقضية أساسية في حياة هذه الأمة، ولهذا فمن المناسب الوقوف عندها دائما، وان نحكي لأولادنا احداثها ووقائعها، ولكن المهم هو ان نقف عند هذا الحدث التاريخي ونتعلم منه قضايا أساسية أهمها تلك اللمحات المشرقة في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي لم يهاجر حتى اذن له الله سبحانه وتعالى بالهجرة وصمد وكافح وصبر على كل ألوان الأذى والبلاء والرزايا في مكة المكرمة، ومن أهله وذويه، ثم من أهل الطائف من أعراب وغيرهم، كل ذلك يعطينا درسا في أبعاد هذه الهجرة وذلك لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صمد وكافح وصبر امتثالا لأمر الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى قدم لنا في حبيبه، صلى الله عليه وسلم، القدوة والأسوة لكل من يريد ان يتصدى للدعوة الإسلامية ويدعو الى الله بصدق وإخلاص وبحكمة وموعظة حسنة فلا بد ان يصبر ويتحمل الأذى في سبيل ذلك، كما تحمل الرسول، صلى الله عليه وسلم، من اقرب المقربين له وممن حوله، ومن أهله وذويه، وكان من الممكن ان يجنبه الله عز وجل كل هذه البلايا، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى سابقة جعلت فيه القدوة والأسوة لهذه الأمة.
وختاما فهذه لقطات من جوانب الهجرة النبوية التي نتعلم منها كل يوم دروسا جديدة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة وهو الأسوة لهذه الأمة، وعلينا ان نتعلم ونعلم اولادنا جوانب من السيرة العطرة ونربيهم عليها
الهجرة النبوية
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونسترشده ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
الهجرة النبوية أيها الإخوة لم تكن هروبًا من قتال ولا جبنًا عن مواجهة ولا تخاذلاً عن إحقاق حق أو إبطال باطل ولكن هجرة بأمر الله تعالى أعد فيها النبي القائد صلوات ربي وسلامه عليها العدة وهيأ الجند وعاد بهم إلى مكة فاتحًا، أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوذي أصحابه الكرام في مكة وصبر ءال ياسر في سبيل الله، ورسول الله هاجر بالدعوة إلى الله فلم يكن يخفي شيئًا منها بل كان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول لهم:" أيهـا النـاس قولـوا لا إلـه إلا الله تفلحوا " وصبر صلى الله عليه وسلم على إيذاء المشركين من أهل مكة، وانصب العذاب على المستضعفين صبًا جلد وضرب وحبس وتحريق وقتل، ولكن أدركهم المدد الرباني والتثبيت الإلـهي فكأنهم صخرة لا تخدش وصارت نبضات قلوبهم الخاشعة وهمسات أدعيتهم الضارعة تهز الأفئدة والعروش، ردد بلال الحبشي أحد أحد، أحد أحد’ لم يتراجع ولم ينفتن.
و شاء الله ان تكون الهجرة النبوية هي الحدث الثاني المهم بعد البعثة النبوية الكريمة ونزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ينظر بعمق في خطوات الهجرة النبوية وترتيباتها يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية ولا بتحرك عشوائي او مجرد رغبة في الخروج او الهروب من مكة المكرمة، ولكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حماية الدعوة بعد ان اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة، وازداد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلى اتباعه رضوان الله عليهم، حتى امعنت فيهم تعذيبا وظلما بدون وجه حق، فكان لا بد من الانتقال الى مكان أمن آخر يسمح للدعوة بأن تتنفس الصعداء، فجاء امر الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الاذن بالهجرة، ولكن المتتبع لمراحل الهجرة النبوية يلاحظ ان النبي، صلى الله عليه وسلم، احاطها بسرية كاملة، حرص فيها على ألا يعلم احد بموعد الهجرة ولا طريقها، ولا وجهتها، واخفى كل ذلك حتى عن اقرب المقربين له سيدنا ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، الرجل الذي وقف معه وآمن به وآزره، وأحبه حبا عظيما. وكان هذا الصحابي الجليل اول من آمن من الرجال برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبدعوته، ومع ذلك اخفى النبي، صلى الله عليه وسلم، خطة الهجرة وخطواتها عنه وعن الجميع، وهو بهذا يعلم الأمة كيف يتصرف القائد عندما يتصدى لحدث مهم، او ينتقل الى مرحلة أخرى، وكأننا به يعلمنا ويعلم الأمة: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، فأحاط ترتيبات الهجرة بسرية تامة، وعندما بدأ يتحدث الى ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، في المرحلة الأخيرة، انما كان يوجهه حتى يعد لوازم الرحلة وأدواتها من رفيق خبير بالطريق، وراحلة تنقل النبي، وأخرى تنقله ثم اخبره في آخر الأمر بموعد الرحلة وطريقها، وأنها كانت الى المدينة المنورة بإذن الله وأمره.
وهكذا خطط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتمها على افضل وجه، وهو الذي يعلمنا: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه». هكذا تحرك سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بطريقة سرية واستراتيجية ومسؤولية، وعندما جاء الاذن وجاء الأمر اخبر الصديق في الوقت الملائم.
ولا شك ان المتتبع لمراحل الهجرة يدرك ان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يغادر مكة المكرمة التي احبها وولد ونشأ وترعرع بين جنباتها الا بعد ان دعا الله عز وجل: «اللهم، وقد اخرجتني من أحب البقاع الى، فاسكني في احب البقاع اليك»، فكانت الهجرة الى يثرب المكان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهذه الهجرة، واصبح اسمها بعد ذلك المدينة المنورة والتي اشرق فيها نور الاسلام بوصول خير الأنام اليها، هذا المكان الطيب الطاهر الكريم والمهاجر الأمين الذي اختاره الله عز وجل لرسوله، صلى الله عليه وسلم.
وتبقى الحقيقة الأساسية، وهي أن الهجرة مراد الله وأمره وتدبيره عز وجل. هذه هي الصورة المشرقة لصمود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذين معه رضوان الله عليهم. وهناك قضية مهمة وهي ان الهجرة الى المدينة لم تكن مجرد تحرك عشوائي او تصرف عابر او خروج او هروب من مكة، لكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يحمي الدعوة بعد أن اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة وازداد الإرهاب والظلم والقسوة على أتباعه رضوان الله عليهم.
ولا شك أن العامل الآخر هو أن المدينة المنورة قد بدأت تستقبل الإسلام، ودخل فيه واعتنقه عدد من اهلها. وكان هذا الأمر مهما شجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على التوجه إلى المدينة المنورة. أضف إلى ذلك أنه في ذلك الوقت كان لها دور أساسي، باعتبارها مركزا مهما من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية، وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالإضافة الى كونها ملتقى القوافل التي كانت تمر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دوراً أساسيا في انتشارالدعوة الإسلامية.
وقد فرح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عندما جاء الاذن بالهجرة الى المدينة لأن فيها أخوال جده من بني النجار، فكان يأنس من دون شك للذهاب الى المدينة ولقائهم ليعوضوه عن قسوة الأهل في مكة وظلم ذوي القربى من قريش وعنادهم وغطرستهم، فوجد في اخواله في المدينة صدرا رحبا وأنصارا كراما».
وهناك قضية اساسية يجب ان نلفت النظر اليها ونتدبرها، وهي ان عمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان عن قوة إيمان وثقة في الله عز وجل، قبل ان تكون المسألة مسألة عدد وعده، فقد كان اتباعه قلة وضعافا ولكنهم أقوياء بإيمانهم بالله، وصبروا على كل الأذى الذي احاط بهم وفي نهاية الأمر كان الحق احق ان يتبع، لأن تلك سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فكان وقوف هذه القلة المؤمنة وصبرها واحتسابها وصمودها درسا قويا لكل الاجيال القادمة، كان الواحد منهم كالطود الشامخ لأنه مؤمن بنصر الله عز وجل، ومؤمن بالمبادئ التي يدافع عنها، وقد خسر المشركون وباءت جهودهم بالفشل، ولم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله عز وجل، فقد ابى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون، وهذه المواقف الايمانية تذكرنا بموقف أمنا هاجر وأمنا خديجة.
ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها، يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق يتشوق للهجرة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى التريث حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي أدرك فيها أبو بكر الصديق، أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عز وجل.
وجاء اليوم المشهود، وجاء، صلى الله عليه وسلم، إلى دار أبي بكر في وقت لم يكن من المألوف أن يزورهم فيه، فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو في العشي، ولكنه لم يكن يزورهم أبدا في الهاجرة، واشتداد الحر في مكة، كما حدث في ذلك اليوم، فقال الصديق، رضي الله عنه: ما جاء برسول الله، (صلى الله عليه وسلم) إلا أمر عظيم، وربما توقع كنه هذا الأمر وانه الساعة التي كان ينتظرها. لقد اخبره عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى قد اذن له في الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج معه رفيقا مؤنسا معينا في هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، ومنذ الساعة تزايد إحساسه بالمسؤولية عن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن نجاح هذه الرحلة الميمونة، استأجر دليلا خبيرا ماهراً مؤتمنا، من بني عبد بن عدي، تسلم الراحلتين يعتني بهما ويعلفهما حتى تأتي الساعة الموعودة، ثم رتب مع عامر بن فهيرة مولاه أن يرقبهما حتى إذا استقرا في الغار ويروح عليهما باللبن من غنيمات أبي بكر كل يوم ليشربا لبنها ولتختفي آثار أقدامهما تحت أرجل الغنم، وكلف ابنه عبد الله أن يأتيهما كل ليلة ـ حين تهدأ الرجل ـ محاذرا ـ ليخبرهما بما سمع من حديث المشركين وخططهم وتدبيرهم، وكلف اسماء بنت أبي بكر أن تعد سفرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما سيحملانه في هذه الرحلة من زاد وماء.
هذه اذا ملامح من الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر والرغبة فيما عند الله عز وجل ولكنها في الوقت نفسه توضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن قضية مفاجأة ولا أمرا عفويا، بل كان فيها الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي سبقه التمهيد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى أو الثانية أو الثالثة يوم كان ينتهز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مواسم الحج فيلتقي بأهل يثرب ويدعوهم ويهيئهم، ثم ما فعله مع الخزرج في العام التالي واخذ، صلى الله عليه وسلم، يتدرج في البيعة، ثم عندما أرسل مصعب بن عمير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبره بالرجال والنساء الذين دخلوا في الإسلام فحرص الرسول، صلى الله عليه وسلم، على لقائهم في موسم الحج التالي وتمت البيعة والرسول، صلى الله عليه وسلم، يحادثهم ويقول لهم: «ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فردوا عليه: نعم، والذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الدروع ورثناها كابر عن كابر».
هكذا مهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذه الهجرة ثم خطط لها لخداع المشركين يوم طلب من سيدنا علي بن أبي طالب البطل المغوار أن ينام في فراشه، فهذه التنظيمات من كتمان تام لخبر الهجرة، واختيار ملائم للتوقيت والخروج في وقت الهزيع الأخير من الليل وسلوكه طريقا غير الطريق الذي تألفه قريش، كل هذه الأمور تعلم الأمة أهمية التخطيط في حياتها وأهمية التنظيم وأهمية الشورى وأهمية التعاون، ثم العزم والتوكل على الله والصمود في سبيل مرضاة الله عز وجل مهما كانت الصعاب ومهما كانت الكوارث ومهما كانت التحديات.
إنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الدروس والسنة الشريفة ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية مهمة: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، لأنه القدوة ولأنه الأسوة ولأن هؤلاء الرجال أخذوا عنه.
وانه لأمر مهم ان نستغل المناسبات الاسلامية المهمة لتذكير النشء والاسرة والمجتمع بأهمية مثل هذه الايام التي هي ايام الله عز وجل. والهجرة النبوية واقعة حقيقية وقضية أساسية في حياة هذه الأمة، ولهذا فمن المناسب الوقوف عندها دائما، وان نحكي لأولادنا احداثها ووقائعها، ولكن المهم هو ان نقف عند هذا الحدث التاريخي ونتعلم منه قضايا أساسية أهمها تلك اللمحات المشرقة في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي لم يهاجر حتى اذن له الله سبحانه وتعالى بالهجرة وصمد وكافح وصبر على كل ألوان الأذى والبلاء والرزايا في مكة المكرمة، ومن أهله وذويه، ثم من أهل الطائف من أعراب وغيرهم، كل ذلك يعطينا درسا في أبعاد هذه الهجرة وذلك لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صمد وكافح وصبر امتثالا لأمر الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى قدم لنا في حبيبه، صلى الله عليه وسلم، القدوة والأسوة لكل من يريد ان يتصدى للدعوة الإسلامية ويدعو الى الله بصدق وإخلاص وبحكمة وموعظة حسنة فلا بد ان يصبر ويتحمل الأذى في سبيل ذلك، كما تحمل الرسول، صلى الله عليه وسلم، من اقرب المقربين له وممن حوله، ومن أهله وذويه، وكان من الممكن ان يجنبه الله عز وجل كل هذه البلايا، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى سابقة جعلت فيه القدوة والأسوة لهذه الأمة.
وختاما فهذه لقطات من جوانب الهجرة النبوية التي نتعلم منها كل يوم دروسا جديدة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة وهو الأسوة لهذه الأمة، وعلينا ان نتعلم ونعلم اولادنا جوانب من السيرة العطرة ونربيهم عليها
الثلاثاء يوليو 16, 2013 7:04 pm من طرف Admin
» الامتحان الموحد للسنة السادسة ابتدائي دورة يونيو2009"التربية الاسلامية"
الخميس يونيو 21, 2012 7:12 am من طرف oussama salmane
» الامتحان الموحد مادة الرياضيات دورة يونيو 2010
الخميس يونيو 21, 2012 7:09 am من طرف oussama salmane
» الامتحان الموحد للسنة السادسة ابتدائي دورة يونيو2011 "اللغة العربية"
الخميس يونيو 21, 2012 6:59 am من طرف oussama salmane
» examan normalisé 25 juin 2011
الخميس يونيو 21, 2012 6:49 am من طرف oussama salmane
» نحو إحداث درجات جديدة في المسارات المهنية المحدودة الأفق
الخميس يونيو 07, 2012 8:39 am من طرف Admin
» الجديدة «تستقبل» الوفا بوقفة احتجاجية
الإثنين أبريل 02, 2012 5:58 pm من طرف Admin
» قرار الاقتطاع من أجور المضربين يغضب النقابات
الإثنين أبريل 02, 2012 5:58 pm من طرف Admin
» نائب الوزارة بكلميم يلتقط إشارات الوافا: المدير يُقَوِمُ المفتش
الإثنين أبريل 02, 2012 5:57 pm من طرف Admin