بيداغوجيا الإدماج ليست عقيدة
المصطفى مرادا
التربية نت : 03 - 03 - 2011
تستمر التكوينات المستمرة لتعميم الاشتغال ببيداغوجيا الإدماج في مختلف المؤسسات التعليمية في المغرب، فلئن كان التكوين المستمر يعتبر حقا لكل موظف، ولا أحد يجادل في أهميته وضرورته للفرد والمؤسسة على السواء، فإن تبني المؤسسة الرسمية بيداغوجيا محددة وتقديمها على أنها الحل النهائي و«السحري» لمشاكل التعليم يعتبر خطأ كبيرا، ينطلق أصحابه من رؤية خاطئة لتاريخ المعرفة التربوية، بما هي معرفة إنسانية نسبية ومتغيرة، ثم إن الأهم، والأخطر أيضا، هو الاستمرار في التضييق على حرية المدرس، وهو التضييق الذي أفرغ العملية التربوية من مضمونها البشري وصيَّرها عملية صورية تُغرق المدرس في شكليات وإجراءات تقنوية.
الدرس، ومهما كانت مسمياته الجديدة، هو فعالية بشرية محضة، فعالية وجدانية قبل أن تكون معرفية وقيمية، بل إن الوجداني يعتبر محددا لقيمة المعرفي والقيمي، والمدرس -مهما كانت مسمياته الجديدة- هو مركز العملية التعليمية، تماما كما أنه ليس منتجا للمعرفة، والذين يقولون عكس ذلك هم في أغلبهم ممن ودعوا القسم منذ مدة، فاختلطت لديهم صور الواقع كما هو والواقع كما ينبغي أن يكون، علما أن أغلب المكونين لهذه البيداغوجيات هم معربون، يلجؤون إلى مقالات مجتزئة من سياقها الإبستمولوجي، فيعمدون إلى تعريبها وأحيانا يفعلون ذلك بطريقة تسيء إلى النص الأصلي أو يلجؤون إلى إخفاء مصادرهم، فيتكلمون عن بيداغوجيا الإدماج وكأنها «دين» ينسخ الجاهلية التي قبله أو عقيدة تحرم من يكفر بها... فبعض المفتشين المكونين، سامحهم الله، يتكلمون عن بيداغوجيا الإدماج بطريقة أقرب إلى «إشراق» المتصوفة، كلام بدون سند أو مرجع أو تحليل فقط، لأن كزافيي أو غيره من التقنوقراط المفوهين قالوا، وما علينا نحن إلا أن نفسر ونلخص ونشرح ونفسر ونضع حواشي لما قالوه...
فمن جهة، يمكن أن نلتمس لهؤلاء المفتشين المكونين العذر، لكون الوزارة الوصية لا تترك لهم وقتا للبحث والتجديد التربوي، من خلال «إغراقهم» في الأعمال الإدارية، ناهيك عن كون الوزارة ما تزال تتلكأ في الشروع في عملية توظيف واسعة للطاقات الشابة في هيئة التفتيش، حيث إن أغلب المفتشين هم ممن بلغ منهم الكبر مبلغا، وتتبع المستجدات التربوية أمر يتجاوز قدراتهم، فللسن والعمر منطقه، وزادت الوزارة الطين بلة بتكليفها مدرسين بمهام الإشراف التربوي، وهي مهمة واضحة الغايات، وهي الالتفاف على المطلب السابق، وهو فتح مركز التفتيش لكل المواد. أما الطاقات الشابة، وهي أيضا فرصة لبعض مرضى النفوس من شيوخ المدرسين لشن حروب بالوكالة عن المفتشين، لكن ما لا يُعذَرون عليه هو ألا يتسموا بالروح النقدية، وهم يسعون إلى إرغام المدرسين الشباب على تطبيق بيداغوجيا بدأ واضعوها في أوربا وكندا التملص منها وانتقادها، فأغلب المكونين هم أنفسهم الذين كانوا قبل مدة يبشرون ببيداغوجيا الأهداف، وبعدها بيداغوجيا الكفايات، وها هم اليوم يفعلون ذلك دون حس تاريخي ونقدي تجاه بيداغوجيا لها سياق إبستمولوجي وتاريخي خاص.
إن هذه الذهنية التي تقدس الجديد، فقط لأنه جديد، وتعتبر الحلول التقنوية حلولا نهائية، هي علامة على أزمتنا التاريخية، والتي تكلم عنها الأستاذ العروي، عندما تناول في «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، شخصية التقنوقراطي، خصوصا أو بعض هؤلاء المفتشين وجدوا في هذه البيداغوجيا فرصة لا تتكرر لإرجاع مجد سنوات الرصاص، والتي كان فيها المفتش التربوي نسخة أخرى لمفتش الشرطة...
البيداغوجيا ليست دينا ولا عقيدة، تماما كما أنها ليست علما وضعيا تجريبيا، فعندما يعتبر مفتش ما «الجذاذة» أهم من الدرس وطريقة الدرس أهمَّ من المعارف، فهو كمن يعتبر الوسيلة أهم من الغاية، والطريق أهمَّ من الوصول، وهذه الذهنيات القديمة، التي تعتقد أنها بتشددها في هذا إنما تحسن صنعا للمنظومة، هي العامل الرئيس في تعذر إصلاح التعليم في هذا البلد، بينما المطلوب هو أن يشدد المفتش على حرية المدرس وعفوية التدريس، بل عليه أن يحترم ذلك.
ففي العلوم التجريبية، يتوجب على ممارس العلم أن يحارب كل قلاع الذاتية والثقافة العفوية والحس المشترك فيه، وبلغة فلسفية محضة، يمكن القول إنه يتوجب عليه أن يحارب الإنسان الكامن فيه، وعليه أيضا أن يصوغ استنتاجاته بلغة رياضية ومنطقية. أما الممارس للتربية، فإن عوامل الحب والمحبة، التعاطف والاحترام، الانفعال والتفاعل، هي سمات تكاد تكون جوهرية في المربي الناجح، حيث الإنسان، بكل شروط وضعه البشري، هو الحاضر بقوة في العملية التربوية، وهي عوامل لا يمكن وضعها قبليا في ورقة تقنية، تماما كما لا يمكن أن نضع مؤشرات دقيقة لقياسها... كم يصعب استيعاب أن مفتشا تُسنَد له مهام التكوين وهو يقرأ بلغة واحدة، كم يصعب استيعاب أن مكونا في بيداغوجيا الإدماج لم يطلع على السياق الفلسفي الذي أنتجت فيه وكذا مختلف القضايا التي يتم طرحها في منبتها الأصلي حاليا، والتي تستهدف إعادة النظر في عملية إدخال قيم المقاولة والإنتاج الصناعي في المدرسة. إنها المدرسة المغربية التي «تتجهى» كل شيء، دون مقدرة على تجاوز عتبة هذه «التهجية»...ا
المصطفى مرادا
التربية نت : 03 - 03 - 2011
تستمر التكوينات المستمرة لتعميم الاشتغال ببيداغوجيا الإدماج في مختلف المؤسسات التعليمية في المغرب، فلئن كان التكوين المستمر يعتبر حقا لكل موظف، ولا أحد يجادل في أهميته وضرورته للفرد والمؤسسة على السواء، فإن تبني المؤسسة الرسمية بيداغوجيا محددة وتقديمها على أنها الحل النهائي و«السحري» لمشاكل التعليم يعتبر خطأ كبيرا، ينطلق أصحابه من رؤية خاطئة لتاريخ المعرفة التربوية، بما هي معرفة إنسانية نسبية ومتغيرة، ثم إن الأهم، والأخطر أيضا، هو الاستمرار في التضييق على حرية المدرس، وهو التضييق الذي أفرغ العملية التربوية من مضمونها البشري وصيَّرها عملية صورية تُغرق المدرس في شكليات وإجراءات تقنوية.
الدرس، ومهما كانت مسمياته الجديدة، هو فعالية بشرية محضة، فعالية وجدانية قبل أن تكون معرفية وقيمية، بل إن الوجداني يعتبر محددا لقيمة المعرفي والقيمي، والمدرس -مهما كانت مسمياته الجديدة- هو مركز العملية التعليمية، تماما كما أنه ليس منتجا للمعرفة، والذين يقولون عكس ذلك هم في أغلبهم ممن ودعوا القسم منذ مدة، فاختلطت لديهم صور الواقع كما هو والواقع كما ينبغي أن يكون، علما أن أغلب المكونين لهذه البيداغوجيات هم معربون، يلجؤون إلى مقالات مجتزئة من سياقها الإبستمولوجي، فيعمدون إلى تعريبها وأحيانا يفعلون ذلك بطريقة تسيء إلى النص الأصلي أو يلجؤون إلى إخفاء مصادرهم، فيتكلمون عن بيداغوجيا الإدماج وكأنها «دين» ينسخ الجاهلية التي قبله أو عقيدة تحرم من يكفر بها... فبعض المفتشين المكونين، سامحهم الله، يتكلمون عن بيداغوجيا الإدماج بطريقة أقرب إلى «إشراق» المتصوفة، كلام بدون سند أو مرجع أو تحليل فقط، لأن كزافيي أو غيره من التقنوقراط المفوهين قالوا، وما علينا نحن إلا أن نفسر ونلخص ونشرح ونفسر ونضع حواشي لما قالوه...
فمن جهة، يمكن أن نلتمس لهؤلاء المفتشين المكونين العذر، لكون الوزارة الوصية لا تترك لهم وقتا للبحث والتجديد التربوي، من خلال «إغراقهم» في الأعمال الإدارية، ناهيك عن كون الوزارة ما تزال تتلكأ في الشروع في عملية توظيف واسعة للطاقات الشابة في هيئة التفتيش، حيث إن أغلب المفتشين هم ممن بلغ منهم الكبر مبلغا، وتتبع المستجدات التربوية أمر يتجاوز قدراتهم، فللسن والعمر منطقه، وزادت الوزارة الطين بلة بتكليفها مدرسين بمهام الإشراف التربوي، وهي مهمة واضحة الغايات، وهي الالتفاف على المطلب السابق، وهو فتح مركز التفتيش لكل المواد. أما الطاقات الشابة، وهي أيضا فرصة لبعض مرضى النفوس من شيوخ المدرسين لشن حروب بالوكالة عن المفتشين، لكن ما لا يُعذَرون عليه هو ألا يتسموا بالروح النقدية، وهم يسعون إلى إرغام المدرسين الشباب على تطبيق بيداغوجيا بدأ واضعوها في أوربا وكندا التملص منها وانتقادها، فأغلب المكونين هم أنفسهم الذين كانوا قبل مدة يبشرون ببيداغوجيا الأهداف، وبعدها بيداغوجيا الكفايات، وها هم اليوم يفعلون ذلك دون حس تاريخي ونقدي تجاه بيداغوجيا لها سياق إبستمولوجي وتاريخي خاص.
إن هذه الذهنية التي تقدس الجديد، فقط لأنه جديد، وتعتبر الحلول التقنوية حلولا نهائية، هي علامة على أزمتنا التاريخية، والتي تكلم عنها الأستاذ العروي، عندما تناول في «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، شخصية التقنوقراطي، خصوصا أو بعض هؤلاء المفتشين وجدوا في هذه البيداغوجيا فرصة لا تتكرر لإرجاع مجد سنوات الرصاص، والتي كان فيها المفتش التربوي نسخة أخرى لمفتش الشرطة...
البيداغوجيا ليست دينا ولا عقيدة، تماما كما أنها ليست علما وضعيا تجريبيا، فعندما يعتبر مفتش ما «الجذاذة» أهم من الدرس وطريقة الدرس أهمَّ من المعارف، فهو كمن يعتبر الوسيلة أهم من الغاية، والطريق أهمَّ من الوصول، وهذه الذهنيات القديمة، التي تعتقد أنها بتشددها في هذا إنما تحسن صنعا للمنظومة، هي العامل الرئيس في تعذر إصلاح التعليم في هذا البلد، بينما المطلوب هو أن يشدد المفتش على حرية المدرس وعفوية التدريس، بل عليه أن يحترم ذلك.
ففي العلوم التجريبية، يتوجب على ممارس العلم أن يحارب كل قلاع الذاتية والثقافة العفوية والحس المشترك فيه، وبلغة فلسفية محضة، يمكن القول إنه يتوجب عليه أن يحارب الإنسان الكامن فيه، وعليه أيضا أن يصوغ استنتاجاته بلغة رياضية ومنطقية. أما الممارس للتربية، فإن عوامل الحب والمحبة، التعاطف والاحترام، الانفعال والتفاعل، هي سمات تكاد تكون جوهرية في المربي الناجح، حيث الإنسان، بكل شروط وضعه البشري، هو الحاضر بقوة في العملية التربوية، وهي عوامل لا يمكن وضعها قبليا في ورقة تقنية، تماما كما لا يمكن أن نضع مؤشرات دقيقة لقياسها... كم يصعب استيعاب أن مفتشا تُسنَد له مهام التكوين وهو يقرأ بلغة واحدة، كم يصعب استيعاب أن مكونا في بيداغوجيا الإدماج لم يطلع على السياق الفلسفي الذي أنتجت فيه وكذا مختلف القضايا التي يتم طرحها في منبتها الأصلي حاليا، والتي تستهدف إعادة النظر في عملية إدخال قيم المقاولة والإنتاج الصناعي في المدرسة. إنها المدرسة المغربية التي «تتجهى» كل شيء، دون مقدرة على تجاوز عتبة هذه «التهجية»...ا
الثلاثاء يوليو 16, 2013 7:04 pm من طرف Admin
» الامتحان الموحد للسنة السادسة ابتدائي دورة يونيو2009"التربية الاسلامية"
الخميس يونيو 21, 2012 7:12 am من طرف oussama salmane
» الامتحان الموحد مادة الرياضيات دورة يونيو 2010
الخميس يونيو 21, 2012 7:09 am من طرف oussama salmane
» الامتحان الموحد للسنة السادسة ابتدائي دورة يونيو2011 "اللغة العربية"
الخميس يونيو 21, 2012 6:59 am من طرف oussama salmane
» examan normalisé 25 juin 2011
الخميس يونيو 21, 2012 6:49 am من طرف oussama salmane
» نحو إحداث درجات جديدة في المسارات المهنية المحدودة الأفق
الخميس يونيو 07, 2012 8:39 am من طرف Admin
» الجديدة «تستقبل» الوفا بوقفة احتجاجية
الإثنين أبريل 02, 2012 5:58 pm من طرف Admin
» قرار الاقتطاع من أجور المضربين يغضب النقابات
الإثنين أبريل 02, 2012 5:58 pm من طرف Admin
» نائب الوزارة بكلميم يلتقط إشارات الوافا: المدير يُقَوِمُ المفتش
الإثنين أبريل 02, 2012 5:57 pm من طرف Admin